صُنع في ليبيا
تعرّفوا على رائدات الأعمال الليبيات اللاتي مثّلن ليبيا في معرض كوميسا بأديس أبابا
حتى في الزمن الذي لم يكن من المعتاد أن تنخرط فيه النساء في مسارات مهنية في ليبيا، عُرفت الليبيات بأنهن فنانات وطاهيات ومصممات داخل بيوتهن — وبجدارة. فالمثل الليبي يقول: 'صنعة اليدين ولا مال الجدين'، وهو مثل يتجلى بوضوح في أوقات الشدة، حين تُترك النساء ليعُلن أسرهن.
فهنا المرأة الليبية تُحوّل صنعتها إلى مصدر رزق.
لطالما عملت المرأة الليبية من بيتها — خاطرةً في غرف خافتة الإضاءة بعد أن يخلد أبناؤها للنوم، تُطرّز أقمشة موائد الشاي "العالة" لبيعها، وتُجهّز "القمجة والماريول" التقليدي، أو تخبز المعمول في مطبخها لـ"سهرية" عرس في الجوار. ورغم أن هؤلاء النساء المكافحات تمكّنّ من تأمين معيشة كريمة من داخل منازلهن، إلا أن نتاج جهدهن نادراً ما يترك أثراً يتجاوز حيّهن أو بلداتهن، ونادراً ما تحظى الأقل حظاً منهن بفرصة للاحتفاء بعملها على مستوى وطني أو إقليمي.
إن مشاركة النساء في الاقتصادات المحلية والإقليمية أمر أساسي للتنويع والنمو، ويزداد ذلك أهمية في حالة النساء الليبيات اللواتي يمثلن أقلية في المحافل الأفريقية والبلدان غير الناطقة بالعربية.
في مايو 2025، تجلّى ذلك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث اجتمع أكثر من 400 مشاركة من مختلف البلدان الأفريقية في المعرض التجاري السادس التابع لـ COMFWB، وهو حدث صُمّم لتشجيع دور النساء في التجارة الإقليمية.
وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، حظيت ثلاث رائدات أعمال ليبيات — سعاد، عواطف، وربيعة — بفرصة عرض مشاريعهن على المستوى الإقليمي، حيث تلقّين إرشاداً فنياً ومنصة للعرض أبرزت مهاراتهن في صناعة التوابل، الكروشيه، وتصميم الأزياء.
سعاد سليمان
سعاد سليمان ، أكاديمية سابقة وجدت طريقها لريادة الأعمال بفضل لمحة كرم، هي مُؤسسة مشروع "ياسمين الشام للتوابل". نشأت بين عشاق الطهي. وتقول مازحة: "وأنا كنت أحسن واحدة طبعا!"
بدأت سعاد بصنع خلطات التوابل لعائلتها، وكانت تهدي بعضها لرفيقاتها، حتى نصحتها إحداهن ببيعها، وكانت تلك بداية مشوارها الريادي.
انطلقت من بازارٍ محلي، حيث بيعت أولُ دفعةٍ لها بالكامل، ما أكّد لها صِحّةَ المسار وأظهر الطلبَ الفوري على خلطاتها الفريدة. واليوم تواصل تطوير مشروعها؛ إذ باتت تزوّد المتاجرَ الكبرى في طرابلس، مدفوعةً بالشغف نفسه الذي قادها إلى المطبخ أولَ مرة.
وقد أتاحت لها مشاركتُها في الكوميسا تقديمَ منتجاتها على نطاقٍ إقليمي واسع، وفرصةً فريدةً لاختبار أذواق الآخرين وتمثيلِ ليبيا. وتقول: «حين عرضنا منتجاتِنا في إثيوبيا، نال ما صنعناه إعجابَ الناس وبدأوا يشترون منا». وهكذا أصبحت مهنتُها مصدرَ رزقِها الأساسي، تُعيلُ به أطفالَها الأربعة وحدها.
وهكذا أصبحت مهنتها مصدر رزقها الأساسي وأطفالها الأربعة الذي تعيلهم وحدها.
عواطف سبيطة
عواطف سبيطة، مؤسسة مشروع "منُمنمات"، تعلمت فن الكروشيه الدقيق من صديقة لها. ولم يكن مجرد هواية، بل أصبح مصدر بهجة ومعنى بالنسبة لها. فهي تصف نفسها بالمهووسة بالكمال حين يتعلق الأمر بهذا الفن، حيث تنسج كل خيط بدقة متناهية. حتى قبل أن تُصبح أرملة، كانت عواطف امرأة عاملة، طموحة ومبدعة، وكانت تُمدَح دائمًا على حرفتها، التي كانت بالنسبة لها شهادةً على جمال ما تصنعه.
تقول: "عندما أحيك بالكروشيه، أنفصل عن همومي، وأمسي في عالمي الخاص."
وتؤمن عواطف أن النساء الليبيات كنّ دائماً خالقات، حتى وإن لم يجنين المال من حرفتهن. "أمهاتنا فنانات بالفطرة"، تقول. "كنّ يعملن في الفضة ويعتنين بفرشياتهن بدقة. كنّ يسكبن شغفهن وروحهن في كل ما يصنعنه."
هذا الإرث يتجسد في روح عواطف، التي تُواصل تقليداً ثقافياً من الإبداع والعطاء.
وقد تم تكريمها ضمن أفضل ثلاث مشاركات في فئة تنافسية عالية بمسابقة الجوائز السنوية للكوميسا، تقديرًا لمشروعها "منُمنمات"، الذي لم يتجاوز عمره سنتين. وتقول: "كانت مفاجأة — لم أتوقعها أبداً، لكنها منحتني دافعاً كبيراً للاستمرار."
وتضيف بوعي بمسيرتها: "أنا وصلت إلى هنا وممتنة لذلك، لكن كم من الناس يحالفهم الحظ لحضور مثل هذه الفعاليات والحصول على الدعم اللازم للمضي قدماً؟"
ربيعة بن بركة
ربيعة بن بركة، مصممة أزياء تهوى إعادة تخيّل الزي الليبي التقليدي بشكل غير مألوف. وهي الأولى في جيلها، يجمع عملها بين تكريم التراث وإضفاء روح عصرية إليه.
تقول: "منذ صغري وأنا مشدودة إلى تصميم الأزياء." فقد أسس جدها أول مصنع نسيج في ليبيا عام 1943 لإنتاج الجلابيب والملابس التقليدية، وكان إرثه مصدر إلهام لها.
وتضيف: "أريد أن أعمل في ليبيا لأنني درست بهدف رد الجميل لبلدي."
بعد أن جابت مختلف مناطق ليبيا، اكتسبت فهماً عميقاً لأنماطها وتقاليدها المتنوعة، الأمر الذي ألهمها بفكرة تحديث الزي الليبي التقليدي وإعادة تصميمه بلمسات مبتكرة وحديثة.
بالنسبة لربيعة، التصميم ليس مجرد ملابس؛ بل هو هوية وفخر وطني.
بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قدّمت هؤلاء النساء الثلاث مهاراتهن على منصة إقليمية، مُثبتات أن لدى روّاد الأعمال في ليبيا الكثير ليقدموه. وكما قالت ربيعة:
"رسالتي لكل شاب وشابة لديهم فكرة مشروع هي أن يتقنوا حرفتهم، كما فعلت زميلتاي الموهوبتان سعاد وعواطف. هكذا ننتقل من الاستيراد إلى التصدير. نريد أن نُنتج لا أن نستهلك. نريد أن يعترف العالم بعملنا حتى نقول بكل فخر: صُنع في ليبيا."